القول فى النية
مسألة 1 :
النية عبارة عن قصد الفعل ، و يعتبر فيها التقرب إلى الله تعالى و امتثال أمره ، و لا يجب فيها التلفظ ، لانها أمر قلبى ، کما لا يجب فيها الاخطار أي الحديث الفکري و الاحضار بالبال ، بأن يرتب فى فکره و خزانة خياله مثلا أصلى صلاة فلانية امتثالا لامره ، بل يکفى الداعى و هو الارادة الاجمالية المؤثرة فى صدور الفعل المنبعثة عما فى نفسه من الغايات على وجه يخرج به عن الساهى و الغافل ، و يدخل فعله فى فعل الفاعل المختار ، کسائر أفعاله الارادية و الاختيارية ، و يکون الباعث و المحرک للعمل الامتثال و نحوه .
مسألة 2 :
يعتبر الاخلاص فى النية ، فمتى ضم اليها ما ينافيه بطل العمل ، خصوصا الرياء فإنه مفسد على أي حال ، سواء کان فى الابتداء أو الاثناء ، فى الاجزاء الواجبة أو المندوبة ، و کذلک فى الاوصاف المتحدة مع الفعل ، ککون الصلاة فى المسجد أو جماعة و نحو ذلک ، و يحرم الرياء المتأخر و إن لم يکن مبطلا ، کما لو أخبر بما فعله من طاعة رغبة فى الاغراض الدنيوية من المدح و الثناء و الجاه و المال ، فقد ورد فى المرائى عن النبى صلى الله عليه و آله أنه قال : ( المرائى يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء : يا فاجر يا کافر يا غادر يا خاسر حبط عملک ، و بطل أجرک ، و لا خلاص لک اليوم ، التمس أجرک ممن کنت تعمل له ) .
مسألة 3 :
غير الرياء من الضمائم المباحة أو الراجحة إن کانت مقصودة تبعا و کان الداعى و الغرض الاصلى امتثال الامر الصلاتى محضا فلا إشکال ، و إن کان بالعکس بطلت بلا إشکال ، و کذا إذا کان کل منهما جزءا للداعى بحيث لو لم ينضم لک منهما إلى الاخر لم يکن باعثا و محرکا ، و الاحوط بطلان العمل فى جميع موارد اشتراک الداعى حتى مع تبعية داعى الضميمة فضلا عن کونهما مستقلين .
مسألة 4 :
لو رفع صوته بالذکر أو القراءة لاعلام الغير لم تبطل الصلاة بعد ما کان أصل إتيانهما بقصد الامتثال ، و کذلک لو أوقع صلاته فى مکان أو زمان خاص لغرض من الاغراض المباحة ، بحيث يکون أصل الاتيان بداعى الامتثال و کان الداعى على اختيار ذلک المکان أو الزمان لغرض کالبرودة و نحوها .
مسألة 5 :
يجب تعيين نوع الصلاة التى يأتى بها فى القصد و لو إجمالا ، بأن ينوي مثلا ما اشتغلت به ذمته إذا کان متحدا ، أو ما اشتغلت به ذمته أولا ، أو ثانيا إذا کان متعددا .
مسألة 6 :
لا يجب قصد الاداء و القضاء بعد قصد العنوان الذي يتصف بصفتى القضاء و الاداء کالظهر و العصر مثلا و لو على نحو الاجمال ، فلو نوى الاتيان بصلاة الظهر الواجبة عليه فعلا و لم يشتغل ذمته بالقضاء يکفى ، نعم لو اشتغلت ذمته بالقضاء أيضا لابد من تعيين ما يأتى به ، و أنه فرض لذلک اليوم أو غيره ، و لو کان من قصده امتثال الامر المتعلق به فعلا و تخيل أن الوقت باق فنوى الاداء فبان انقضاء الوقت صحت و وقعت قضاء ، کما لو نوى القضاء بتخيل خروج الوقت فبان عدم الخروج صحت و وقعت أداء .
مسالة 7 : لا يجب نية القصر و الاتمام فى موضع تعينهما ، بل و لا فى أماکن التخيير ، فلو شرع فى صلاة الظهر مثلا مع الترديد و البناء على أنه بعد تشهد الاول إما يسلم على الرکعتين أو يلحق بهما الاخيرتين صحت بل لو عين أحدهما لم يلتزم به على الاظهر ، و کان له العدول إلى الاخر بل الاقوى عدم التعين بالتعيين ، و لا يحتاج إلى العدول ، بل القصر يحصل بالتسليم بعد الرکعتين ، کما أن الاتمام يحصل بضم الرکعتين إليهما خارجا من غير دخل القصد فيهما ، فلو نوى القصر فشک بين الاثنين و الثلاث بعد إکمال السجدتين يبنى على الثلاث ، و يعالج صلاته عن الفساد من غير لزوم نية العدول ، بل لا يبعد أن يتعين العمل بحکم الشک ، و لا ينبغى ترک الاحتياط بنية العدول فى أشباهه ثم العلاج ثم إعادة العمل .
مسألة 8 :
لا يجب قصد الوجوب و الندب ، بل يکفى قصد القربة المطلقة ، و الاحوط قصدهما .
مسألة 9 :
لا يجب حين النية تصور الصلاة تفصيلا ، بل يکفى الاجمال .
مسألة 10 :
لو نوى فى أثناء الصلاة قطعها أو الاتيان بالقاطع مع الالتفات إلى منافاته للصلاة فإن أتم صلاته فى تلک الحال بطلت ، و کذا لو أتى ببعض الاجزاء ثم عاد إلى النية الاولى و اکتفى بما أتى به ، و لو عاد إلى الاولى قبل أن يأتى بشىء لم يبطل ، کما أن الاقوى عدم البطلان مع الاتمام أو الاتيان ببعض الاجزاء فى تلک الحال لو لم يلتفت إلى منافاة ما ذکر للصلاة ، و الاحوط على جميع التقادير الاتمام ثم الاعادة .
مسألة 11 :
لو شک فيما بيده أنه عينها ظهرا أو عصرا و يدري أنه لم يأت بالظهر ينويها ظهرا فى غير الوقت المختص بالعصر ، و کذا لو شک فى إتيان الظهر على الاقوى ، و أما فى الوقت المختص به إن علم أنه لم يأت بالعصر رفع اليد عنها و استأنف العصر إن أدرک رکعة من الوقت و قضى الظهر بعده ، و إن لم يدرک رفع اليد عنها و قضى الصلاتين ، و الاحوط الذي لا يترک إتمامها عصرا مع إدراک بعض الرکعة ثم قضاؤهما و إن لم يدر إتيان الظهر فلا يبعد جواز عدم الاعتناء بشکه ، لکن الاحوط قضاؤه أيضا ، و لو علم بإتيان الظهر قبل ذلک يرفع اليد عنها و يستأنف العصر ، نعم لو رأى نفسه فى صلاة العصر و شک فى أنه من أول الامر نواها أو نوى الظهر بنى على أنه من أول الامر نواها .
مسألة 12 :
يجوز العدول من صلاة إلى أخرى فى مواضع : منها فى الصلاتين المرتبتين کالظهرين و العشاءين إذا دخل فى الثانية قبل الاولى سهوا أو نسيانا ، فإنه يجب أن يعدل إليها إن تذکر فى الاثناء و لم يتجاوز محل العدول ، بخلاف ما إذا تذکر بعد الفراغ أو بعد تجاوز محل العدول کما إذا دخل فى رکوع الرکعة الرابعة من العشاء فتذکر ترک المغرب فلا عدول ، بل يصح اللاحقة فيأتى بعد بالسابقة فى الفرض الاول ، أي التذکر بعد الفراغ ، بل فى الفرض الثانى أيضا لا يخلو من قوة و إن کان الاحوط الاتمام ثم الاتيان بالمغرب و العشاء مترتبا ، و کذا الحال فى الصلاتين المقضيتين المترتبتين ، کما لو فات الظهران أو العشاءان من يوم واحد فشرع فى قضائهما مقدما للثانية على الاولى فتذکر ، بل الاحوط لو لم يکن الاقوى إن الامر کذلک فى مطلق الصلوات القضائية .
و منها إذا دخل فى الحاضرة فذکر أن عليه قضاء ، فإنه يستحب أن يعدل إليه مع بقاء المحل إلا إذا خاف فوت وقت فضيلة ما بيده ، فإن فى استحبابه تأملا ، بل عدمه لا يخلو من قوة .
و منها العدول من الفريضة إلى النافلة ، و ذلک فى موضعين : أحدهما فى ظهر يوم الجمعة لمن نسى قراءة سورة الجمعة و قرأ سورة أخرى و بلغ النصف أو تجاوز ، ثانيهما فيما إذا کان متشاغلا بالصلاة و أقيمت الجماعة و خاف السبق ، فيجوز له العدول إلى النافلة و إتمامها رکعتين ليلحق بها .
مسألة 13 :
لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض ، و لا من النفل إلى النفل حتى فيما کان کالفرائض فى التوقيت و السبق و اللحوق ، و کذا لا يجوز من الفائتة إلى الحاضرة ، فلو دخل فى فائتة ثم ذکر فى أثنائها أن الحاضرة قد ضاق وقتها قطعها و أتى بالحاضرة ، و لا يجوز العدول عنها إليها ، و کذا لا يجوز فى الحاضرتين المرتبتين من السابقة إلى اللاحقة ، بخلاف العکس ، فلو دخل فى الظهر بتخيل عدم إتيانه فبان فى الاثناء إتيانه لم يجز له العدول إلى العصر ، و إذا عدل فى موضع لا يجوز العدول لا يبعد القول بصحة المعدول عنه لو تذکر قبل الدخول فى رکن ، فعليه الاتيان بما أتى بغير عنوانه بعنوانه .
مسألة 14 :
لو دخل فى رکعتين من صلاة الليل مثلا بقصد الرکعتين الثانيتين فتبين أنه لم يصل الاولتين صحت و حسبت له الاولتان قهرا ، و ليس هذا من باب العدول و لا يحتاج إليه ، حيث إن الاولية و الثانوية لا يعتبر فيها القصد ، بل المدار على ما هو الواقع .