القول فى شرائط صلاة الجمعة
و هى أمور :
الاول العدد ، و أقله خمسة نفر أحدهم الامام ، فلا تجب و لا تنعقد بأقل منها ، و قيل أقله سبعة نفر ، و الاشبه ما ذکرناه ، فلو اجتمع سبعة نفر و ما فوق تکون الجمعة آکد فى الفضل .
الثانى الخطبتان و هما واجبتان کأصل الصلاة ، ولا تنعقد الجمعة بدونهما .
الثالث الجماعة ، لا تصح الجمعة فرادى .
الرابع أن لا يکون هناک جمعة أخرى و بينهما دون ثلاثة أميال ، فإذا کان بينهما ثلاثة
أميال صحتا جميعا ، و الميزان هو البعد بين الجمعتين لا البلدين الذين ينعقد فيهما الجمعة ،
فجازت إقامة جمعات فى بلاد کبيرة تکون طولها فراسخ .
مسألة : 1
لو اجتمع خمسة نفر للجمعة فتفرقوا فى أثناء الخطبة أو بعدها قبل الصلاة و لم يعودوا و لم يکن هناک عدد بقدر النصاب تعين على کل صلاة الظهر .
مسألة : 2
لو تفرقوا فى أثناء الخطبة ثم عادوا فإن کان تفرقهم بعد تحقق مسمى الواجب فالظاهر عدم وجوب إعادتها و لو طالت المدة ، کما أنه کذلک لو تفرقوا بعدها فعادوا ، و إن کان قبل تحقق الواجب منها فإن کان التفرق للانصراف عن الجمعة فالاحوط استئنافها مطلقا ، و إن کان لعذر کمطر مثلا فإن طالت المدة بمقدار أضر بالوحدة العرفية فالظاهر وجوب الاستئناف ، و إلا بنوا عليها و صحت .
مسألة : 3
لو انصرف بعضهم قبل الاتيان بمسمى الواجب و رجع من غير فصل طويل فإن سکت الامام فى غيبته اشتغل بها من حيث سکت ، و إن أدامها و لم يسمعها الغائب أعادهامن حيث غاب و لم يدرکها ، و إن لم يرجع إلا بعد فصل طويل يضر بوحدة الخطبة عرفا أعادها ، و إن لم يرجع و جاء آخر تجب استئنافها مطلقا .
مسألة : 4
لو زاد العدد على نصاب الجمعة لا يضر مفارقة بعضهم مطلقا بعد بقاء مقدار النصاب .
مسألة : 5
إن دخل الامام فى الصلاة و انفض الباقون قبل تکبيرهم و لم يبق إلا الامام فالظاهر عدم انعقاد الجمعة ، و هل له العدول إلى الظهر أو يجوز إتمامها ظهرا من غير نية العدول بل تکون ظهرا بعد عدم انعقاد الجمعة قيمتها أربع رکعات ؟ فيه إشکال ، و الاحوط نية العدول و إتمامها ثم الاتيان بالظهر ، و أحوط منه إتمامها جمعة ثم الاتيان بالظهر و إن کان الاقرب بطلانها ، فيجوز دفع اليد عنها و الاتيان بالظهر .
مسألة : 6
إن دخل العدد أي أربعة نفر مع الامام فى صلاة الجمعة و لو بالتکبير وجب الاتمام و لو لم يبق إلا واحد على قول معروف ، و الاشبه بطلانها ، سواء بقى الامام و انفض الباقون أو بعضهم أو أنفض الامام و بقى الباقون أو بعضهم ، و سواء صلوا رکعة أو أقل ، لکن لا ينبغى ترک الاحتياط بالاتمام جمعة ثم الاتيان بالظهر ، نعم لا يبعد الصحة جمعة إذا انفض بعض فى أخيره الرکعة الثانية بل بعد رکوعها ، و الاحتياط بإتيان الظهر مع ذلک بعدها لا ينبغى ترکه .
مسألة : 7
يجب فى کل من الخطبتين التحميد ، و يعقبه بالثناء عليه تعالى على الاحوط ، و الاحوط أن يکون التحميد بلفظ الجلالة ، و إن کان الاقوى جوازه بکل ما بعد حمدا له تعالى ، و الصلاة على النبى صلى الله عليه و آله على الاحوط فى الخطبة الاولى و على الاقوى فى الثانية ، و الايصاء بتقوى الله تعالى فى الاولى على الاقوى و فى الثانية على الاحوط ، و قراءة سورة صغيرة فى الاولى على الاقوى و فى الثانية على الاحوط ، و الاحوط الاولى فى الثانية الصلاة على أئمة المسلمين عليهم السلام بعد الصلاة على النبى ( ص ) و الاستغفار للؤمنين و المؤمنات ، و الاولى اختيار بعض الخطب المنسوبة إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه أو المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام .
مسألة : 8
الاحوط إتيان الحمد و الصلاة فى الخطبة بالعربى و إن کان الخطيب و المستمع غير عربى ، و أما الوعظ و الايصاء بتقوى الله تعالى فالاقوى جوازه بغيره ، بل الاحوط أن يکون الوعظ و نحوه من ذکر مصالح المسلمين بلغة المستمعين ، و إن کانوا مختلطين يجمع بين اللغات ، نعم لو کان العدد أکثر من النصاب جاز الاکتفاء بلغة النصاب ، لکن الاحوط أن يعظهم بلغتهم .
مسألة : 9
ينبغى للامام الخطيب أن يذکر فى ضمن خطبته ما هو من مصالح المسلمين فى دينهم و دنياهم ، و يخبرهم بما جرى فى بلاد المسلمين و غيرها من الاحوال التى لهم فيها المضرة أو المنفعة ، و ما يحتاج المسلمون إليه فى المعاش و المعاد ، و الامور السياسية و الاقتصادية مما هى دخيلة فى استقلالهم و کيانهم، و کيفية معاملتهم مع سائر الملل ، و التحذير عن تدخل الدول الظالمة المستعمرة فى أمورهم سيما السياسية و الاقتصادية المنجر إلى استعمارهم و استثمارهم ، و بالجملة الجمعة و خطبتاها من المواقف العظيمة للمسلمين کسائر المواقف العظيمة مثل الحج و المواقف التى فيه و العيدين و غيرها ، و مع الاسف أغفل المسملون عن الوظائف المهمة السياسية فيها و فى غيرها من المواقف السياسية الاسلامية ، فالاسلام دين السياسة بشؤونها يظهر لمن له أدنى تدبر فى أحکامه الحکومية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ، فمن توهم أن الدين منفک عن السياسة فهو جاهل لم يعرف الاسلام و لا السياسة .
مسألة : 10
يجوز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشمس بحيث إذا فرغ منها زالت ، و الاحوط إيقاعهما عند الزوال .
مسألة : 11
يجب أن تکون الخطبتان قبل صلاة الجمعة ، فلو بدأ بالصلاة تبطل ، و تجب الصلاة بعدهما لو بقى الوقت ، و الظاهر عدم وجوب إعادتهما إذا کان الاتيان جهلا أو سهوا ، فيأتى بالصلاة بعدهما ، و لو قيل بعدم إعادة الصلاة أيضا إذا کان التقديم عن غير عمد و علم لکان له وجه .
مسألة : 12
يجب أن يکون الخطيب قائما وقت إيراد الخطبة ، و يجب وحدة الخطيب و الامام ، فلو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره و أمهم الذي خطبهم ، و لو لم يکن غير العاجز فالظاهر الانتقال إلى الظهر نعم لو کانت الجمعة واجبة تعيينا خطبهم العاجز عن القيام جالسا ، و الاحوط الاتيان بالظهر بعد الجمعة ، و يجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة .
مسألة : 13
الاحوط لو لم يکن الاقوى وجوب رفع الصوت فى الخطبة بحيث يسمع العدد ، بل الظاهر عدم جواز الاخفات بها ، بلا لا إشکال فى عدم جواز إخفات الوعظ و الايصاء ، و ينبغى أن يرفع صوته بحيث يسمع الحضار ، بل هو أحوط ، أو يخطب بواسطة المکبرات إذا کان الجماعة کثيرة لابلاغ الوعظ و الترغيب و الترهيب و المسائل المهتم بها .
مسألة : 14
الاحوط بل الاوجه وجوب الاصغاء إلى الخطبة ، بل الاحوط الانصات و ترک الکلام بينها ، و إن کان الاقوى کراهته ، نعم لو کان التکلم موجبا لترک الاستماع و فوات فائدة الخطبة لزم ترکه ، و الاحوط الاولى استقبال المستمعين الامام حال الخطبة و عدم الالتفات زائدا على مقدار الجواز فى الصلاة ، و طهارة الامام حال الخطبة عن الحدث و الخبث ، و کذا المستمعين ، و الاحوط الاولى للامام أن لا يتکلم بين الخطبة بما لا يرجع إلى الخطابة ، و لا بأس بالتکلم بعد الخطبتين إلى الدخول فى الصلاة ، و ينبغى أن يکون الخطيب بليغا مراعيا لمقتضيات الاحوال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد ، عارفا بما جرى على المسلمين فى الاقطار سيما قطره ، عالما بمصالح الاسلام و المسلمين ، شجاعا لا يلومه فى الله لومة لائم ، صريحا فى إظهار الحق و إبطال الباطل حسب المقتضيات و الظروف مراعيا لما يوجب تأثير کلامه فى النفوس من مواظبة أوقات الصلوات و التلبس بزي الصالحين و الاولياء ، و أن يکون أعماله موافقا لمواعظه و ترهيبه و ترغيبه ، و إن يجتنب عما يوجب وهنه و وهن کلامه حتى کثرة الکلام و المزاح و ما لا يعنى ، کل ذلک إخلاصا لله تعالى و إعراضا عن حب الدنيا و الرئاسة فإنه رأس کل خطيئة ليکون لکلامه تأثير فى النفوس ، و يستحب لهأن يتعمم فى الشتاء و الصيف ، و يتردى ببرد يمنى أو عدنى ، و يتزين و يلبس أنظف ثيابه مطيبا على وقار و سکينة ، و أن يسلم إذا صعد المنبر ، و استقبل الناس بوجهه و يستقبلونه بوجوههم ، و أن يعتمد على شىء من قوس أو عصا أو سيف و أن يجلس على المنبر أمام الخطبة حتى يفرغ المؤذنون .
مسألة : 15
قد مر اعتبار الفاصلة بين الجمعتين ثلاثة أميال ، فإن أقيمت جمعتان دون الحد المعتبر فإن أقترنتا بطلتا جميعا ، و إن سبقت إحداهما و لو بتکبيرة الاحرام بطلت المتأخرة ، سواء کان المصلون عالمين بسبق جمعة أولا ، و صحت المتقدمة ، سواء علم المصلون بلحوق جمعة أم لا ، و الميزان فى الصحة تقدم الصلاة لا الخطبة ، فلو تقدم إحدى الجمعتين فى الخطبة و الاخرى فى الصلاة بطلت المتأخرة فى الشروع فى الصلاة .
مسألة : 16
الاحوط عند إرادة إقامة جمعة فى محل إحراز أن لا جمعة هناک دون الحد المقرر مقارنة لها أو منعقدة قبلها ، و إن کان الاشبه جواز الانعقاد و صحة الجمعة ما لم يحرز انعقاد جمعة أخرى مقارنة لها أو مقدمة عليها ، بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد أخرى و شک فى مقارنتها أو سبقها .
مسألة : 17
لو علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة أخرى و احتمل کل من الجماعتين السبق و اللحوق فالظاهر عدم وجوب الاعادة عليهما لا جمعة و لا ظهرا و إن کان الوجوب أحوط ، و يجب على الجماعة التى لم يحضروا الجمعتين إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة إحراز بطلان الجمعتين المتقدمتين ، و مع احتمال صحة إحداهما لا يجوز إقامة جمعة أخرى .